تحليلات

المؤتمر المقسوم على اثنين

يمنات – الشارع

قليلون اكترثوا لتشاورات حزب المؤتمر الذي يكافح للمواءمة بين راسين يتنازعان قمته ففي المخيلة السياسية اليمنية لا يزال المؤتمر حزب السلطة حتى لو لم يعد كذلك الا لماما، معايير الحكم على الوقائع وقياس اهميتها خبريا لم تتغير ، لدى وسائل الاعلام المستقلة ، تبعا لتقلبات الأحوال في اليمن.

لقد انطلقت ، نهاية الاسبوع الماضي ، لقاءات تشاورية لفروع المؤتمر الشعبي العام في المحافظات التي تم تقسيمها الى مجموعات ؛ غير ان الحدث لم ينجح في جذب الانظار لينال حقه من التقييم والتحليل واستخلاص الدلالات.

هناك مسافة لم يعبرها الذهن العام ليلقى نظرة مختلفة على حركة الحوادث واتجاهاتها. لا يزال المنهج القديم راسخا، والسيطرة لا تزال لميراث الأحكام التالفة من فرط الاستعمال ، والمقولات عتيقة الطراز.

قلما نجد من يتناول البنى الاجتماعية والتنظيمات السياسية استنادا الى تغيرات الموقع والوزن والسياق .

كان الاعلام المستقل قبل الثورة على مسافة قريبة بالضرورة من احزاب وجماعات المعارضة، كانت الصحافة تضطلع بدور سياسي نضالي يقوي شوكة المعارضة ويخلخل بنيان الحكم.

كانت تقاتل في الخطوط الأمامية، وكانت المخاطر اكثر من ان تحصى ؛ لكن بالمقابل كان الصحفي يحصل على المكافأة لا تقدر بثمن: شعور بالرضا واكتساب صفة المناضل المنحاز للحريات وحقوق الانسان والمناهض اللامع لانحرافات السلطة.

الان اصبحت احزاب المعارضة شريكة في الحكم ويجمع بعضها تحالف مصير مع اعمدة السلطة القديمة؛ غير ان هذه الاحزاب لا تزال هي القصة وهي المتن، والضوء لا يلاحق غالبا الا حركتها وتصريحات زعمائها وانشطتهم.

انتقل المؤتمر الى طور جديد نسبيا وحافل بالاحتمالات ؛ لكن انتقلت معه في المخيلة العامة خصائص قوة سياسية واجتماعية لوثتها السلطة.

حاليا يتدرب هذا الحزب على التنفس والحركة في ظروف غير مألوفة بالنسبة لـ"تنظيم سياسي " نشاء ملحقا للسلطة المركزية ، ومصمما طبقا لاحتياجاتها، وهو اطمأن كليا الى هذه الوظيفة، ولم يحتاط للمستقبل بما يكفي.

حراك المؤتمر الشعبي العام يشبه برنامج العلاج الطبيعي للمصابين بالبدانة او الشلل ، وهو يعيد الى الذاكرة فعاليات التشاور الوطني التي نظمها تحالف اللقاء المشترك في مرحلتها الأولى خلال العامين 2008 و 2009، كمسار احتياطي في حال باءت بالفشل الجهود التي كان التحالف يبذلها لفرض رؤية لإصلاح النظام السياسي والانتخابي على الرئيس السابق وحزب المؤتمر.

كانت المفاوضات مع " صالح" تنتهي الى طريق مسدود. ابرم العديد من الاتفاقيات السياسية، كان آخرها اتفاق فبراير2009، وهي خطوط عريضة عائمة قضت بتأجيل الانتخابات النيابية عامين، الا ان مسار التسوية تعطل من اول وهلة ؛ مع انه شكليا واصل التقدم الى ان تأسست ما سميت بـ" اللجنة الرباعية"، والتي تألفت من الدكتور ياسين والآنسي ممثلين للمشترك ، وعبد ربه منصور هادي والارياني مفوضين عن "صالح" والمؤتمر .

اللجنة خرجت في الأخير بمجموعة مقترحات يقال ان الرئيس السابق رفض الموافقة عليها ، مأخوذة بأبهة النجاح الذي اصابه خليجي 20 في عدن 2010. وتقول الاسطورة ان "صالح " رفض المقترحات لأنها لم تأت على مناقشة وضعه الخاص ، مستقبله كرئيس ومستقبل عائلته.

    الثابت ان صالح كان مولعا بالمماطلة والمركز. وبحلول العام 2011 حدث مالم يكن في الحسبان. تفجر الغضب من كل مسامات البلد ؛ مشاعر مكبوتة وطموحات واحلام وضغائن ، وسالت دماء ، واكتوى الرجل بالنار، وقد تمخض كل شيء في نهاية المطاف عن مشهد من الفوضى العارمة، مشهد لم يعد فيه صالح "المخلص العظيم" بالنسبة للمؤتمر، ولا" شمشون الجبار" بالنسبة للمشترك.

    يستأنف المؤتمر حركته وهيئاته القيادية مسكونة بسؤال المصير ؛ لكن الحركة بحد ذاتها مؤشر عافية تمنحه افضلية في محيط سياسي حزبي متحجر ؛ فالماكينة الحزبية للقاء المشترك اصابها الشلل ؛ اذ لا يكاد المراقب يلحظ ما يدل على فاعلية حزبية ونقاشات او جاهزية من اي نوع لاستيعاب ما كان على الارض وما سيكون.

    وفي حين انتهت ثورتا تونس ومصر بحل الحزبين الحاكمين بكلمة الثورة ، فقد منحت كلمة السياسة في اليمن المؤتمر الحاكم السابق نهاية سعيدة وكتبت له عمرا جديدا .

لقد كانت هذه النهاية استجابة لضرورات وطنية وهروبا من هول الفراغ الذي لا يزال رغم كل شيء تهديدا ماثلا، ففي المناطق التي انكمش فيها المؤتمر او اختفى ضمن احداث 2011، برز الى السطح مجال استقطاب يحمل طابعا مذهبيا عنيفا.

    والراجح ان هذه النهاية التي اعفت المؤتمر من مصير الحزبين الحاكمين في مصر وتونس ، لم تكن سوى اعتراف بأن طبيعة الحالة اليمنية اجمالا لا تحتمل غير هذا المال.

    فالمؤتمر لا يعزو الفضل في استمراره الى رحمة وكرم الثورة والمشترك، بل الى عجزها امام فاعليته في المواجهة واستعصائه وقدرته على الفعل.

    المؤتمر حافظ – اسميا، وبموجب المبادرة الخليجية – على نصيب وافر من السلطة ؛ الا ان الاشياء في اليمن ليست ما تبدو عليه؛ ذلك ان حساب نصيب المؤتمر في السلطة شديد التضارب ، وربما التناقض . فثمة من يبالغ لدرجة اعتبار المؤتمر حزبا حاكما ، وذلك اعتمادا على حيثيات سطحية تأخذ بالأعتبار انتماء الرئيس هادي للمؤتمر، وكذلك بقية رجال الدولة الذين كانوا يتمتعون بمواقع في الحزب بحكم المناصب التي يشغلونها.

وثمة من يبالغ لدرجة الحديث عن ان المؤتمر تجرد من السلطة، ولم يعد له من وزن او تأثير فعلي في المجرى العام.

    حتى المؤتمريون انفسهم يعيشون قلق المصير، واضطراب هوية، ودرجة من التخبط في تقديرهم لحجمهم والنقطة التي يقف حزبهم عليها ؛ هل لا يزال حاكما ام انه يزحف باتجاه مواقع المعارضة ويمارس ادوارا مزدوجة ؟ فهو من ناحية يلزم الصمت ازاء سياسات الرئيس او يسجل اعتراضا خجولا ، ومن ناحية اخرى يذهب بعيدا في ممارسات خليقة بحزب معارض ليس له مواطئ قدم عريض في الجهاز البيروقراطي للدولة.

    مصير المؤتمر الان معلق على احتمالات علاقة الرئيس هادي برئيس المؤتمر ومؤسسه؛ فكل ما يمكن ان يشوب هذه العلاقة يعكس نفسه تلقائيا على علاقة هادي بالمؤتمر يجري على اساس من يؤيد انتقال قيادة الحزب الى رئيس الجمهورية .

    وفي الحقيقة ، من المستحيل التنبؤ بالكيفية التي ستذهب بها الأمور ، ولا ما يدور في خلد الرجلين.

    في اللقاءات التشاورية تلى خطاب موحد باسم رئيس الجمهورية عبدربه منصور هادي ، نائب رئيس المؤتمر الأمين العام . وليس مهما ما احتواه الخطاب، المهم ان العلاقة الملتبسة بين الرئيس وحزبه تراوح في منطقة الالتباس ذاتها حتى اشعار آخر.

    المؤتمر قسم الجنوب الى إقليمين حزبيين : اقليم يضم عدن وابين ولحج وشبوة والضالع ، واقليم يضم حضرموت والمهرة. في ما يتعلق بالقضية الجنوبية فقد جاءت مخرجات اللقاءات التشاورية في هذين الاقليمين متسقة مع اي مخرجات قد تخلص اليها لقاءات تشاورية لفروع حزب الاصلاح.

    البيانات الختامية لمشاورات المؤتمر تثبت ان وجهة نظر المؤتمر تلتقي – في ما يخص الجنوب – مع وجهة نظر الاصلاح على نحو مدهش: التأكيد على عدالة القضية ، وان الحوار الوطني هو السبيل الوحيد لمعالجتها، وشجب نزوع الحراك الى احتكار تمثيل القضية والجنوب، والموقف الموارب من حرب صيف 94، وتصورات الحزبين متقاربة لشكل الدولة.

زر الذهاب إلى الأعلى